18 Apr
18Apr

(4)

مقامات 

إنطلقت بالعزف على أوتار العود لحني المفضل موسيقاي الخاصة األفتها مع معلمي الاول نغة نغمة انساب صوتها وانتشر في كل أنحاء البيت أغمضت عيني وتركت اصابعي تعملبينما عادت ذاكرتي إلى الماضي مرة أخرى حين ألفت هذا اللحن مع معلمي لأول مرة..تذكرت وجهه البشوش  بملامحه المليئة بالتجاعيد، والتي حملت معه ألحانا و حكمة وخبرة السنينكان وقت الحصة اليومية مساءً بعد أن أكون قد انجزت فروض المدرسة.في المرحلة الثانوية وقتها قرر والدي أنني موهب وعليه أن يؤدي واجبه تجاه هذه الموهبة وكان ذلك باختياره لمعمل شغوف بالمهنة يدخلني الفن من بابه الواسع  كل حصة كل زيارة كانت أشبه بمهرجان موسيقي مُصغر؛ بابنسبة لي العالم خارج تلك الغرفة كان يتلاشى. ، كان يشرح  تفاصيل كل نغمة وكل مقام  كمن يروي أسطورة. أخذ يعزف ببطء، قائلًا: "مقام الرست هو أحد المقامات الأساسية في الموسيقى العربية، و بنغماته الدافئة والمليئة بالفرح. ليست هناك أنغام أحلى من تلك التي يمكن أن تُعزف باستخدام هذا المقام. لاحظ كيف تتسلسل الأوتار، إذ تبدأ بالنوتة الأساسية، وتنقل المشاعر من واحدة إلى أخرى."حين  انتقل إلى مقام السيكا، أضاف: "هذا مقام خاص، تبرزه بتحولات سريعة. لاحظ كيف يمكنني استخدامه لخلق جو من التوتر،والترقب يشعر المستمع وكأنه ينتظر حدوث أمر ما  ثم فجأة تبسط الأمور بإيقاع سلس.كأنك تعطيه الجواب لما كان ينتظر " مع كل نغمة يعزفها، يتناول خلال العزف بعض الأغاني الشعبية، مما يجعل النغمات تنبض بالحياة.حين وصل إلو العجم قال:"أما مقام العجم، فهو مقام يحمل طابع الفرح والحركة. إذا استخدمته مع إيقاع حيوي، يمكنك أن تجعل الحضور يشعرون بالمرح. يمكن أن يكون مزيجًا رائعًا في الحفلات، وخصوصا ً في الأغنيات الوطنية ."ومع انتهاء الدرس، كان يتحدث بحماس: "تذكر، العزف ليس مجرد نغمات، بل هو تعبير عن المشاعر. عندما تعزف، لا تعزف بالأوتار فحسب، بل بإحساسك وتجربتك."كان تلك كلمات معلمي الذي الذي علمني العزف على العود مأن بدأت العزف على العود انسابت الزكريات مع الاحان نسيت المكان والزمان حتى  وصلت الى نهاية المقطوعة وبعدها افتحت عيني وافقت على صوت تصفيق عند باب الغرفة

 (5)

جمهوري الوحيد

 أبصرت أختي وابنها يصفقان بل وامي أيضا انضمت إليهما.أجل لقد تكاثر الجمهور في الغرفة حماسهم ذكرني بتصفيق الجمهور في المسرح رغم انه كان اقل هدوء نهضت من مكاني واقفا قبل أن أنحني بتحية مسرحية  ضحكت أمي:يعني أخيرا راح ترجع للعود؟ 

أعتدلت في وقفت وحركت يدي على أوتار العود قبل أن أجيبها على مضض:

لا ،  بس باجرب ، هل أقدر أعزف ولا نسيت العزف ثم أشرت إلى ابن أختي على طلب الياس ، هو السبب هو الح يبغا يسمع 

تابعت امي يا ولدي  اعرفك كويس ماراح تكون طيب ومبسوط الا وانت تعزف

 يعني أنا الآن مو كويس 

بس منت الاولي كنت تحب الحياة ومقبل عليها ومتحمس وكلك بهجة.

كلماتها كانت مؤلمة مع أن معانيها سعيدة إلا أن تذكر كونها ذكرى بعيدة فهذا أمر مختلف كنت ، في ما مضى أما الآن فلا  رغم أنني قد أصابني بعض التبلد من هذه القصة إلا أنني الآن بعد أن أمسكت العود مرة أخرى بعد كل تلك الفطيعة أصبح شعوري مختلف  أجدها مؤلمة وحاضرة في ذهني

  وتابعت أمي: من بعد هذيك السالفة والراجل الله يسامحه الي وعدته تترك كل شي وانت منت الاولي 

أدركت أنها سوف تعود لاستجوابها حول القصة من جديد، فانتفضت بسرعة ورفعت العود إلى الرف  في مكانه القديم كما كان قبل قليل.  وقلت مغيراً الموضوع :ايش سويتي لنا عالعشاء تعلم أني أتهرب، لذا لم  تجب وهزت رأسها معترضة: ما سويت.

فقلت:تمام، 

 اروح انا اجيبلكم من المطعم الجديد إلى فتح  ،نجربه

 كنت اريد الهروب لا اعرف إلى متى  لكني لم أكن مستعدا لنفس الاستجواب المتكرر منها انطلقت خارج الغرفة نحو باب البيت.تبعني  ابن أختي ألياس وهو يهتف: خالو أصبر أنا جاي معاك أمسكت يده و أسرعنا خارجا لأنهي الحديث قبل أن يبدأ 

***

(6)

هروب

كان الطابور في المطعم عبارة عن فوضى من الزحام، وأصوات الأحاديث ونداء الطلبات  تتعالى وتختلط بجلبة الأطباق القادمة من الداخل .وفي قلب هذا الفوضى ، وقفت ممسك بيد أبن أختي الذي بدأ يتذمر من الوقوف فحملته قبل أن يتحول انزعاجه إلى بكاء يلفت الأنظار نحونا واضطر للعودة إلى البيت هربا مرة أخرى من أعين ربما لا زالت تعرفني وتتذكرني

 هروب في هروب هذه هي حياتي منذ قررت الإعتزال والابتعاد التام عن الأضواء أو لنقل منذ أن أجبرت على ذلك أعرف أني شكلي تغير نوعا ما لكن هذا يمكن أن يحدث فقد حدث مرارا قبل الآن

 وماذا الآن ضوء فلاش كميرا سطع في وجهي بغتة دون إنذار قبل حتى أن أقول شيء سمعت:"هذا هو!"صدقني شكله متغير لكنه هوأدرت ظهري دون تردد نحو الجهة المقابلة واندفعت متقدما نحو مكان استلام الطلب متجاهلا الناس الغاضبين خلفي من تجاوزي للدور دون اكتراث لقد هربت من استجواب أمي قبل دقائق، لأقع هنا في موقف آخر يستجوبني بطريقة أخرى الاسئلة المعتادة فينك؟ ليش اختفيت؟ وليش؟ .. وليش؟.. أخرجت بطاقة الائتمان وضعتها على الجهاز   قلت للعامل:آسف والله مرة مستعجل عامل المطعم كان سريعا يتعامل بآلية محاولا التخفيف من ضغط الزحام بأسرع وقت فلم يلاحظ أني تجاوزت دوريأخذ فاتورتي وأسرع إلى الداخل 

 مرت الثواني ثقيلة وأنا أنتظر العامل ليعود بالطلب تنهدت  وزفرت بضجر:حقيقتك إنها موجودة دائماً، حتى وإن اختار المرء الابتعاد عنها.أيش ؟ كيف يعني حقيقتك ؟سألني ابن أختي ببرائته المعتادة بعد أن سمع كلماتي الغامضة بالنسبة له أجبت:هذا كلام مهم قاله لي  استاذي زمااان عاد عامل المطعم بطلبي التقطه وغادرنا المكان بسرعة، تاركين خلفنا الزحام. تنفست الصعداء بينما أمسك بيد ابن أختي، ونحن نعبر الشارع نحو هروب مؤقت  مكرر مرة أخرى في داخلي ولاول مرة كان شعوراً بالعجز ينمو شعور بالرغبة في الاستسلام فقد بدا لي أنه لم يعد يمكنني الهروب.فقد أمسك العود اليوم ..وعزفت..وهذا ما كنت أخشاه إن لمسته عودي مرة أخرى  فلقد أدركت منذ البداية أنني لن أتمكن من الأبتعاد إن استمررت في العزف حتى ولو عزفت وحيدا فسوف يدفعني ذلك للعودة يوما ما.لا أدري لماذا لكن هكذا ظننت فالعود كان الباب الذي دخلت منه سابقاً وإن خرجت وعزمت على أن لا أعود فالاكيد انه علي إلغاء ذلك الباب.وإلا فإنه لن يزل يذكرني ويراودني على الدخول مرة أخرىولهذا منذ اعتزلت الظهور اعتزلت العزف أيضا معه منذ البداية لا أرى لأحدهما وجود دون الأخر ورغم أن وعدي الذي قطعته منذ سبع سنوات  لم يلزمني بترك العزف والتلحين نهائيا حتى لنفسي بل كان مقتصراً على اعتزال المسارح فقط.واعتزال الظهور..واعتزال المنافسة..رغم أني لا أريد المنافسة

لكن،

هكذا كان الوعد..

أن لا أستمر..و أنافسهم..

  أبدا. 

يتبع في الأسبوع القادم


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.