(13)
الأستاذ
أمام مكتبه في الاستديو وقف الأستاذ وقد وضع الدفترعلى الطاولة.
لم أشعر بالراحة أبداً وأنا أدخل إلى الغرفة؛
كنت مثقلاً بشعور شخصٍ مُدانٍ مُطالبٍ بإثبات براءته.
سمعت حديثه على الجوال وأنا أدخل:
– معرفتي به يا دوب أسبوعين ، ما أقدرأجزم بصِدق أقوا له للشرطة.
تردد في الدخول لكني جأت بناء على دعوته.
دخلت الغرفة فحياني ورحب بي بشكل طبيعي..
كان الدفتر نفسه أمامه على الطاولة ..
قال دون مقدمات:
– يمكن ما لك يد في كل إلي حصل.
لكن خلينا نقول إنّ حدسي يُعطيك «فرصة».
صمتَ قليلاً ثم أضاف وهو يلمس بأصابعه غلاف الدفتر:
– والآن نفدر نكمل شغلنا على الأغنية ومع الوقت كفيل أنه تُبرهن لي أنّك بريء.
لم أفهم هل يصدقني أم لا؟... فكلماته متضاربة ، لكنّي أشرت برأسي موافقاً. كنت أعرف جيداً أن أي رفض – ولو وجيهاً – سيُفهم اعترافاً ضمنياً بالذنب.
أشار إلى العود المُسنَد في الزاوية:
– تفضّل. كيف راح تفتح القصيدة؟.
تناولت العود، حاولت استدعاء ذلك اللحن اللذي خطّطت له منذ أسابيع، إلا أنّ رأسي كان مشغولاً بالدفتر القابع على الطاولة مثل شاهد اتهام.
عزفتُ البيت الأول المقدّمةً .
ابتسم الأستاذ ابتسامةً حيادية وقال:
– تمام…، جرّب مقام العجم بعدين انزل إلى السيكا.
جربت. ارتبكت المقامات في أصابعي. بدا واضحاً أن شيئاً ما انكسر بيننا:
الثقةُ التي تجعل الملحن يغامر، والشاعر يطمئن.
انتهت الجلسة بعد نصف ساعة فقط.
لم يقل شيئاً قاسياً، لكنه اكتفى بعبارة:
– أرسل لي تسجيلا أوليا جديداً مساء الخميس. نلتقي الأسبوع المقبل.
طريقته في الحديث أذعجتني فهو لم يعطيني فرصة لسرد قصة الدفتر ولا حتى لسماع شكوكي حول الأمر الإكتفاء بوجه نظره وما جرى من تحقيق في المركزفقط
و دون أن يسمع مني فهذا أمر لا عدل فيه إطلاقا.
لكني وافقته على مضض.
الخميس أرسلتُ التسجيل، لا ردّ.
أرسلتُ تذكيراً بعد يومين.
أتى الردّ مقتضباً من مساعده:
«الأستاذ مسافر».
الأسبوع الذي يليه عدتُ إلى الاستديو بحسب الموعد، فاستقبلني المساعد نفسه: – الأستاذ اضطرّ لحضور اجتماع طارئ، يسلّم عليك. قال نؤجّل بروفة اليوم.
توالت الأعذار: إصابةٌ خفيفة بالإنفلونزا، ارتباطات برحلات، ظرف عائلي. كلّ مرة يُقال لي:
«الأستاذ يعتذر، ويطلب منك أن تواصل العمل على اللحن وحدك».
***
(14)
غيرمعلَنة
مرّت عدة أسابيع.
أرسلتُ تسجيلاً أخيراً مصقولاً بكلّ ما أستطيع من إحساس.
وصلتني بعد يومين رسالة واتساب قصيرة من رقمه الشخصي،
بعد التحية:«قرّرتُ إرجاء المشروع إلى إشعارٍ آخر. أشكرك على جهدك».
قرأتُ السطر مراراً. لا تفسير، لا لقاء، لا فرصة أخيرة. إرجاءٌ بلا موعد يعني إلغاءً مؤدّباً.
إقترح علي بعض الأصدقاء إستخدام اللحن مع كلمات أخرى أو التعاون مع شاعر أخر..
لكني لم أكن في مزاج يسمح لي بالتفكير في ذلك..
مشاعري متضاربة غضب وشعور بالإهانة من كل من كان في قصة الدفتر تلك
وخصوصا الأستاذ نفسه خرجتُ من البيت تلك الليلة أحمل العود في حقيبته، لكنّه كان أخفَّ وزناً من غضبي.
جلستُ على الرصيف المقابل لحديقة الحي،
المكان الذي شهد واقعة ذلك الدفتر الملعون ولم أجرؤ على فتح الآلة. للمرة الأولى أبغض لحنا ألفته أنا لما يذكرني به، صارمزعجا بالنسبة لي كلّ نغمة أعزفها تُذكِّرني بالدفتر المسروق، بقصةٍ لم أقتنع يوماً بأنها محض مصادفة. قررت دفنه إلى الأبد.
هكذا، من دون كلمة اتهام صريحة،
تحوّل التعاون الذي حلمتُ به عمري كلّه إلى جدارٍ صامت. ومن خلف ذلك الجدار، بدأت أسبابٌ أخرى – صغيرة وكبيرة – جعلت قرار ا الاعتزال (أو الهدنة الطويلة). أسهل مما تخيّلت يوماً.
كانت هي المخرجَ الوحيد القادر على إطفاء تلك الحرائق المتسلسلة…
مؤقّتًا على الأقل
لكني آثرتها لوقت طويل.
***
(14)
من الذكرى إلى الواقع
كانت أيام ثقال..
شعرت بالضيق قليلا وأنا أسترجع تلك الذكرى وكيف انتهت بدفن مشروعي مع الأستاذ..وتشويه علاقتنا..
ألقت تلك الذكرى بظلالها على مزاجي فنهضت وقررت الخروج لتغيرالمكان ربما يتحسن مزاجي
نزلت الدرج وأنا أتذكر صورتي في المطعم مع أبن أختي والتي بسببها قررت إخفاء وجهي بلثام وقبعة غطت نصف وجهي المتبقي
لكن وما أن تقدمت إلى منتصف الشارع حتى تقدم نحوي شاب كان يلوح لي ويبتسم.
بالتأكيد هذه أحد الأثار الجانبية للصورة المنتشرة مؤخراً فقد يحدث موقف كهذا بعد كل صورة جديدة لكني أجد مخرجا في كل مرة..
حاولت تجاهله و نغير طريقي لكنه أستمر في التلويح في حين تحولت إبتسامته لضحكة مسموعة حين لاحظ تهربي..
هل هو شخص أعرفه أم..
توقفت حين اقترب وسألته:
هل نعرف بعض؟..
أجاب:
… يمكن لكن ، أظن أنك ما تذكرني
_هل هذا لغز أعرفك وما أذكرك
ألمهم أنا أعرفك كويس ..
أقترب وقال بصوت منخقض
في يوم من الأيام أنا وأنت كنا في قضية واحدة
مالذي يهذي به هذا الرجل:
قضية؟.
تابع:
الصورة في تويتر كانت بالضبط في هذا المطعم.
قالها وهو يشير إلى المطعم المجاور
وكنت لابس بيجامة االبيت، لهذا أنا أستنتجت أن بيتك قريب من المكان ، ولو دورت عليك هنا راح ألقاك
يعني تتبعني؟ تبغى أطلب لك الشرطة.
ضحك تقصد تفتح قضية جديدة بيننا
هتفت بذلك وأدرت ظهري له لأاعبر من الطريق الأخر لكنه هتف
أنت عندك سكر من النوع الثاني صح
لحظة هذه المعلومة لا يعرفها أحد سوى أهلي وأصدقائي المقربين
لكن كيف عرف هذا الشخص وأنا لم أره قبل الأن
تبعني ووقف في وجهي مرة أخرى:
حاول تتذكرني ، طلع كلام زمان أني توفيت، مت في حادث سيارة قبل سبع سنوات، تتذكر؟..
تلك الكلمات كانت كفيلة بأن تجعلني أتوقف وأسمعه جيدا
تابعت:
أنت شبح يعني
ضحك بشكل مستفز وتابع:
لا لا لسا أنا بني آدم قدامك بشحمي ولحمي.
فكرت في كلماته من أين أتى بقصة الحادث قبل سبع سنوات؟ أين من الممكن أن يكون قد سمعها
قلت:إذا أنت سامع لك قصة أو إشاعة وجاي تهددني بيها ولا تبتزني؟
.أجاب: