مملكة
على صفحة الماء الرقراق الصافي انعكست صورة مباني مختلفة الحجم والشكل ذات أعمدة بيضاء أحاطت بالواحةالفيروزية.
بدت تلك الأعمدة ومبانيها شبيهة إلى حد كبير بالعمارة النبطية العامة الموجدة في مدينة البتراء التاريخية وكذلك كتلك الموجودة في منطقة الحجر على تخوم مدينة العلا، تلك المنطقةالمعروفة باسم مدائن صالح والتي كانت ثاني أ كبر مدينة للأنباط بعد البتراء.
تشابهت معها تماما باستثناء أنها بيضاء ناصعة على خلاف البتراء الوردية..
وعند أحد الأعمدة وقف رجلان بملابسهم الباذخة وقد استمعا باهتمام بالغ إلى رجل ثالث عجوز ذو لحية بيضاء طويلة تصل إلى أعلى الحزام الذهبي المشدود حول خصره ويمسك صولجان خشبي ذو رأس مذهب منحوت على شكل رأس هدهد
كان ذلك العجوز يتحدث بتأثر قائلا لأحدهم:
- فخامة الوزير عكاش أرجو منك أن تطلع جلالة الملكة على نبؤه مجلس الحكماء وأن تسرع في ذلك. فنحن نرى أن واحتنا المقدسة بحاجة لنبذل ما بوسعنا لكي نحافظ عليها وعلى مملكتنا،
لقد أقسمت منذ أر بعين سنة عندما قلدتموني حزام الحكمة هذا أن أخلص للشعب وأبذل كل ما بوسعي لخدمة الواحة المقدسة.
بدا الوزير )عكاش( الرجل الذي توجه إليه بالحديث) يستمع إليه على مضض وكأنه ينتظر منه الانتهاء بسرعة، فقال:
- وأنت خير من يرأس مجلس حكمائنا، لكن ألا ترى معي أنه من الطبيعي جد ا أن ينخفض منسوب الماء في الواحة؟، ألايحدث هذا مرة على الأقل كل عام؟
أشار الرجل العجوز نحو الماء :
- نعم يا حضرة الوزير يحدث هذا مرة كل عام لكني لا أقصد هذا فنحن معتادون عليه.
كان الوزير يتململ وهو يستمع للعجوز فيما تابع هذا الأخير:
- ما أقصده أنه حدث ثلاث مرات خلال ستين يوما فقط، لك أن تتخيل الفرق يا سيدي إنه أمر مقلق بالفعل.
تساءل الوزير مشككا :
- هل أنتم متأكدون من قياساتكم؟
أجل جلالتك..
الوزير:
- حسنا.. لا تشغل بالك كثيرا يا رئيس مجلس الحكماء وأخبر أعضاء المجلس أنني سأطلع جلال الملكة طميه عن هذا التغير المفاجئ علها تجد حلا.
أومأ الحكيم الرئيس متفهما قبل ينحني بإجلال للوزير
ومن ثم استدير مغادرا.
ابتعد العجوز عن المكان بخطواته البطيئة وما أن اختفى عن نظر الرجلين حتى قال معاون الوزير والذي كان صامت طوال الحديث السابق، قال:
- عفوا حضرة الوزير بخصوص جلالة الملكة طميه، كنت أريد أن أسأل..
رمقه الوزير بنظرة أخرسته وجعلته يبتلع الكلمات التي هم بقولها
قال الوزير:
- بالتأكيد تلك الاشاعة تشغل بالكم وهي ما تريد أنتسأل بخصوصه؟، أليس كذلك؟تردد معاونه وتلعثم قبل أن يقول مرة أخرى:
تلعثم المعاون
- ما دمتم جلالتكم تقولون بأنها إشاعة فهي بالتأكيدكذلك، فلا داعي لأن أسأل بخصوصها إذن.
تابع الوزير وكأنه لم يسمعه:
- تريد أن تسأل بخصوص ما قيل عن زواجها.
ثم اقترب منه وهو يؤكد:
- أليس كذلك؟
أجابه المعاون بإيماءة من رأسه موافقا، فتابع الوزير:
- لن يحدث. هل سمعتني؟، وإياك أن تسأل مثل هذه الأسئلة مرة أخرى.
ثم ابتسم بامتعاض :
- كيف لكم أن تصدقوا مثل هذا القول، ملكتنا نحن تتزوج من أمير قبيلة من ألد أعدائنا منذ الأزل، كيف تخيلت عقولكم البسيطة شيء كهذا؟
انحنا معاونه وهو يتعذر:
- آسف سيدي، صدقني إن علمت من الذي قام بنشرهذه الأكاذيب فسأقطع رأسه بنفسي ليكون عبرة لغيره.
شبك الوزير كفيه خلف ظهره وشرد ذهنه لبعض الوقت وهويتأمل سطح الماء الذي يحركه الهواء قبل أن يقول:
- هل تعلم ماذا يمكن أن يعني أن تتزوج ملكتنا طميه بأمير قبيلة العماليق ذاك. الذي يدعى قِطن.أن هذا يعني أن تصبح قبيلته من أحلافنا بل من أهم أحلافنا.
بدت الفكرة مضحكة في عقله فابتسم بسخريه
- يا للمهزلة، لك أن تتخيل ذلك، نحن الوعبيون نصبح أحلاف العماليق، وهم الذين يعادوننا منذ الأزل.
أخذ نفس عميق واقترب من ماء الواحة متأملا حركة الماء وتابع:
- منذ وقت طويل قامت حروب لا تعد ولا تحصى بينناو بينهم، قتل فيها المئات من شعبنا وأُثخن فيهم الدم. ثم يأتي هذا الأمير بكل بساطة لينهي ذلك النزاع بقصة زواج سخيفة من ملكتنا.، بهذه البساطة.
ثم ضاقت عيناه وهو يعود إلى ذكرى بعيدة جدا عاشها منذطفولته وثأر قديم لا زالت تغلي مراجله في صدره.
***
ملكة
صوت أشبه بنداء أندفع من بوق.ارتددت أصداءه في جنبات الواحة
واحة الوعبة..
ما يقارب العشرة آلاف قدم هو حجم قطر واحة الوعبة والتي تقع في منتصفها منطقة صخرية بدت وكأنها جزيرة صغيرة،
وعلى تلك الصخور تحديدا بنيت قلعة طميه المكان حيث انطلق منه صوت نداء البوق.
قلعة حجرية متوسطة الحجم مبنية من الحجر الرملي والمرو، وبعض الأجزاء منها تبدوا من اللبن المصنوع من الطين زخرفت ورسمت عليها أشكال من الطيور مثل الهدهد والحمام وحيوانات الغزلان والمها والنمور الجبلية المرقطة وأيضا رسومات لأوراق الشجر..
ويحيط بالقلعة بشكل دائري مجموعة من الأعمدة الحجرية حيث يعلو الأعمدة إفريز دائري مزخرف أيضل برسومات لطائر الهدهد بعرفه المميز،
قلعة طميه.. أو قصر الحاكم حيث تعيش الملكة طميه بنت جام بن جُمَى بن ترادة من بني عمليق وعمليق هذا هو نفسه الجد الذي تنحدر منه وتنسب إليه قبيلة العماليق وأميرهم الأمير قِطن ورغم كون القبيلتين أبناء عمومه إلا أن الخلافات والمناوشات والثأر والدم كانت مستمرة بينهم لسنوات طويلة.
وعند البوابة الرئيسية للقلعة وقف الحارس الشخصي للملكة وقد أمسك بوقا بدى وكأنه مصنوع من الخشب أو جذع شجرة منحوت ومجوف بحيث يصدر صوت عاليا عند النفخ
كان ذلك البوق هو مصدر صوت النداء الذي انطلق قبل قليل.
وعند أطراف الواحة وعلى الجانب الأخر.وقبل أن ينطلق صوت البوق انهمك الناس في أعمالهم وحياتهم اليومية ولكن..ما أن وصل الصوت إليهم حتى بدأ عدد منهم في التجمهر والاقتراب من ضفاف الماء، فقد عرفوا الصوت جيدا .صوت بوق حارس الملكة يعلن خروجها من قلعة الحكم.
حول الواحة أيضا التفت مجموعة كبيرة من المباني وبيوت صغيرة كان لبعض تلك البيوت أعمدة وافاريز،
خرج بعض الناس من بين تلك المباني مقتربين من شاطئ الواحة بعد سماع صوت البوق.
ملابسهم بسيطة بقطعة واحدة أشبه وقد أحاطت بخصر كل واحد منهم قطعة أخرى وكأنهاحزام ملتف في الوسط
مضى على توقف صوت البوق بعض الوقت قبل أن يفتح باب القلعة وتظهر الملكة طميه بنت جام عند ضفاف الواحة تعالت هتافات الناس محين ملكتهم فيحين رافقها الحراس نحو القارب الملكي الذي كان مرصوفة عند الشاطئ الحجري.وخلال وقت قصير كان القارب يعبر الماء حاملا الملكة وحراسها نحو الضفة الأخرى للقاء الشعب
فور وصولهم إلى اليابسة وبشكل آلي كانوا قد تعودوا عليه منذ أمد انحنت جموع الناس جملة واحدة.في حين اقترب من بينهم أر بعة رجال يرتدون نفس ملابس الحارس ويحملون محمل خشبي فوق أ كتافهم،
نحو الملكة ثم انحنوا جالسين على الأرض.
أفسح الحراس الطريق حين اقترب الوزير عكاش من بين الجموع
ومد يده نحو الملكة في حين استندت هي عليها ليعاونها في الصعود على المحمل قبل أن تستقر جالسة عليه ويرفع على أ كتاف الحراس مرة أخرى ..
وفور استقرار الملكة في جلوسها انتصب الناس واقفين محين لها
سار الحراس بالمحمل بين الجموع يتقدمهم الوزير عكاش وسط هتافات الناس بالتحية
تقدم الموكب الملكي وابتعد عن الواحة وعبر خلال ممر فسيح قد امتدد بين مجموعة المباني الملتفة حول الواحة..
وعلى بعد مسافة من قارب الملكة الذي لا زال يرسوا عن الشاطئ وحوله مجموعة من الحرس، اقترب ببطء ثلاثة رجال ملثمين.لا يرى شيء من وجوههم سوى أعينهم الجامدة من خلف اللثام وقد تركزت على الحرس..
يكاد لا يرى منها سوا بريق مخيف وقد شيكوا أذرعهم خلف ظهورهم جمعهم الصمت والسكون..كان مظهرهم من الغرابة بما كان، وبالطبع لفتوا انتباه الحرس
أفهم يوجهون أبصارهم نحوهم وليس نحو الموكب الملكي كما يفعل الجميع.
وما أن اختفى الموكب بين المباني وخلفه الجموع حتى تحرك الملثمين.
كانت حركتهم من السرعة والخفة التي لم تترك للحرس أي فرصة لأدراك ما يحصل..
فقد التفوا حولهم بسرعة خاطفة قبل أن تلمع نصال خناجرهم على ضوء الشمس شعر الحرس بعدها بدفيء سائل الحياة الأحمر ينساب على رقابهم.
سقطون في حينها..جثث متناثرة..
***
الرواية متوفرة إلكترونيا على أمزون كيندل
من هنا
https://www.amazon.com/dp/B0DGZBZH24