(1)
(الضروريات تبيح المحظورات )
ترددت هذه العبارة في رأس رجل يقف متصلبا ً شاخص البصر امام جثة ملقاة عند قدميه ..
فقد بدت العبارة صحيحة أكثر من أي وقت مضى .وفي سرعة مرت في ذهنه النتائج المترتبة على ما سيقرره .حام شخص أخر حول الجثة بنفاد صبر :اتخذ قرارك بسرعة حضرة الدكتور ، فالوقت ليس في صالحك .
ومن غير تردد أومأ الدكتور موافقاً
.
* * *
خيوط الفجر الأولى
(2)
برق الخيط الأبيض من الفجر مخترقا ظلمة الليل في سماء المدينة المنورة معلن مولد يوم العيد..
الأول من شوال عام 1460هـ- 2035 مفبدا المسجد النبوي الشريف متلألئ وسط ناطحات السحاب الضخمة التي أحاطت به من جميع الجهات لتظهر ساحاته الرخامية البيضاء التي بدأت تمتلئ بأعداد كبيرة من الناس الجالسين في مجموعات بانتظار صلاة الفجر ..
وفي الروضة الشريفة جلس البروفسور سامي مدني عالم الفزياء الشاب مشبك أصابعه أمام وجهه وقد انهمك في تفكير عميق وهو يعود بذاكرته الى الوراء..
إلى ما قبل عام كامل من الان ..
إلى يوم عيد الفطر الماضي ..
كان قد بدأ منذ عام كامل مع مجموعة من العلماء في أضخم مشروع اشترك فيه منذ التحاقه بمركز أبحاث علوم الفضاء بمدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة ..ذلك المشروع الذي بدأ على أعلى مستويات التقدم العلمي وجمع له علماء من أنحاء العالم لأنجازه في أقصر مهلة زمنية لأنجاز مشروع بحجمه ..
قبل عام كامل من الان تم إعلانه هو سامي خالد مدني رئيس تنفيذي للمشروع ..
رئيس على كل هؤلاء العلماء رغم أنه أصغرهم ولكنه أفضلهم..
ليس في المملكة فقط ، و لا في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم أجمع ..
أنه لا يقول ذلك لنفسه فقد أجمعت الكرة الأرضية على ذلك ..
ولكنه مع قرب إعلان انطلاق المشروع بدأ يشعر بالقلق ..
قلق لا يدري كنهه وتوتر ظل يلح عليه طيلة الأيام الأخيرة ..
بحث في ثنايا عقله لعل هناك أمر ما بخصوص ذلك يجعله يشعر بكل ذلك القلق ، ولكنه لا يتذكر شيء كهذا مطلقا
و..(امنح نفسك إجازة فأنت في يوم العيد ).
قطعت هذه العبارة عليه أفكاره فتنبه إلى صاحبها..
والده الجالس إلى جواره ،فالتفت إلى هذا الأخير دون أن يجيب قبل أن يتابع أبوه :
أنت على هذا الحال منذ أسبوع كامل .
ضغط سامي على صدغه وهو يقول :
أنه صداع بسيط يزعجني وضع أبوه راحته على جبهته قبل أن يقول :لو بقيت مسترخيا في البيت لكان افضل .
تلفت سامي حوله قبل أن يقول مغير الموضوع :أين اختفى نايف ونواف ، ألم يكونا هنا قبل قليل
يبدو أنك متعب فعلا ..
ألم تنتبه لهما عندما قالا أنهما سيتغيبان قليلا.
قالها أبوه خالد قبل يأتي صوت من خلفه مجيب:
( وها نحن قد عدنا )
نطق نايف بهذه العبارة وهو مقبل مع توأمه نواف ،كانا بعكس شقيقهما الأكبر سامي لا يحبان الغوص في العلوم البحته ، ولكنهما صحفيان بارعان ومشاكسان أيضا و لطالما أوقعهم ذلك في الكثير من المشاكل بسبب فضولهما الصحفي الذي يلتقط أي حدث ليجعل منه عمل ناجح ، فقد ورثاه عن أمهما التي ترأسهما في العمل في مؤسستها الإخبارية و التي أطلقت عليها اسم (رتاج الحجاز) لم تلبث أن أصبحت مجلتها هي الأكثر انتشار في كافة أنحاء العالم .غمغم أبوهم :أكان عندكم تقار ير في الحرم ؟.
أجابه نواف وهو يعدل شماغه ملقيا طرفيه خلف ظهره :ليس تماما فاليوم بدأنا الإجازة .أسرع نايف يستدرك بابتسامة:ولكن بطبيعة الحال إذا شممنا رائحة الحدث فهذا يعني إلغاء الإجازة .
انفرجت شفتا سامي وهم بقول شيء لولا أن وقع بصره على شيء ما خلف والده فتوقف وهو ينظر مستغربا ، قبل أن يقول :
ما هذا بالضبط ؟
التفتوا إلى حيث ينظر فوقعت أبصارهم على ذلك الرجل الجالس على بعد عمودين منهم ، وقد أرخى طرفي شماغه على جانبي وجهه فلم يظهر كاملا وهو يختلس النظر إليهم بين الحين والاخر .
هل يعرف أحدكم هذا الرجل ؟
سألهم أبوهم قبل أن يجيب سامي بالنفي في حين دقق نايف النظر قبل أن يقول:
ربما ولكن وجهه ليس ظاهر تماما .
بينما قال نواف وهو لا يزال ينظر إلى الرجل :
أشعر كأني رأيته قبل ذلك ولكن..بتر عبارته وهو ينظر إلى سامي الذي أخذ يفرك جبهته بقوة بيديه الإثنتبن. سامي، هل تشكو من شيء ما ؟
قالها أبوهم بقلق قبل أن يضغط سامي على صدغيه بقوة دون أن يجيب :
(يبدو أن هذا الرجل يعرف سامي فهو ينظر إليه بالذات )
قالها نواف بعد أن لاحظ أن نظرات الرجل تزداد حدة وتركيز وهو يراقب سامي باهتمام.
هتف خالد وهو يساعد سامي على النهوض .
فلنأخذه إلى السيارة فهو لن يستطيع الصلاة بهذا الصداع.
ساعدواه في معاونة سامي على النهوض وهذا الأخير يقول :
لا تقلقوا سأكون بخير ربما هذا الصداع بسبب الزحام ليس إلا.قالها وهو يعود ببصره إلى حيث يجلس ذلك الرجل ذو النظرات الغريبة أو إلى حيث كان يجلس فقد اختفى الرجل تماما..ولم يعد له أثر..
* * *
الساعة تشير إلى الثامنة صباحا في مركز أبحاث علوم الفضاء في مدينة المعرفة الإقتصادية.والمباني خالية تماما ، فكل العاملين اليوم في إجازة بحلول عيد الفطر ، و الهدوء يلف المكان إلا من صوت وقع أقدام في مبناه الرئيسي تخطو في أحد ممراته ثم تنحرف إلى إحدى الغرف قبل أن تهبط عدة درجات إلى طابقه السفلي اطلق.
صاحب الأقدام تنهيدة طويلة قبل أن يحدث نفسه بغضب :
تبا.. لابد وأن صلاة العيد قد فاتتني الان . سكت برهة وهو يفحص بعينيه أرجاء المكان قبل أن ينطلق صوت أزيز من ساعته فرفعها إلى فمه قائلا :
نعم ..إنني مازلت في المركز أبحث عن المعمل المطلوب و ..قاطعه المتصل :
ماذا ..أ لا تعرف مكان المعمل ؟
نعم مازلت أبحـ...هل تحاول خداعنا أم ماذا .ولكنـ..أنت تعمل منذ مدة طويلة في المركز ولن تقنعنا أنك لا تعرف أين هو أهم معاملكم .
حاول أن يقول شيء ، ولكن المتحدث قاطعه مرة ثالثة :
تعرف جيدا ماذا ينتظرك ان أخفقت ، نحن لا نطلب منك عمل إجرامي أو ضد القانون إنها مجرد احتياطات.
حاول قول شيء ولكن المتحدث أغلق الخط دون أن يترك له أي فرصة للحديث..فضرب الأرض بقدمه وهو يقول بسخط :
أي احتياطات هذه التي تجعلكم تتجسسون على المركز .
فكر قليلا عند هذه النقطة محاولا اقناع نفسه..
إنهم فعلا جهة علمية عالمية تقوم بدور مهم لحماية العلم من الانتهاكات اللا إنسانية..
إذا قد يكونون فقط يردون التأكد من نشاطات المركز ليس إلا ..
وهذا لا يضر المركز في شيء فأعماله كلها في دائرة القوانين الدولية ..
تنفس الصعداء وهو يحاول أن يقنع نفسه بذلك ،
نعم حتى لو كانوا يقومون بذلك بطرق ملتوية فهذا لن يضر مركز الأبحاث الذي يعمل فيه ..
وفي خطوات سريعة تعرف تماما أين تتجه أسرع نحو ذلك المعمل الذي يعرفه جيدا .
.* * *
الرواية كاملة من هنا على الرابط التالي:
https://jarirreader.com/book/8202/%D8%A3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9