(كلّ ما يلي مأخوذ من مفكّرتي الرقميّة، مجزّأً بين لقطات شاشة ورسائل لوغارتمية ومحاضر شرطة. رتّبتُه على شكل قصة كي أفهم ما جرى قبل أن يصير مجرّد ملفٍ آخر في الأرشيف).
1. النقطة والشرطة
الأربعاء 2 / 3 /2030 – 22:17
أنا فارس، أعملُ كمختبِر اختراق بالتحديد أعمل في اختبار أمان المواقع.
في تلك الليلة كنتُ وحيداً داخل غرفة خوادم مصنع أغذية، أختبر قدرة جدارهم الناري على صدّ الهجمات الخارجية و أتفقد إن كان بإمكاني التسلّل إلى شبكتهم وكشف ثغراتها قبل أن يفعلها أحد من خارج الشركة..
الشبكة مملة: عناوين IP محليّة وأسماء أجهزة بلهاء مثل Mixer01 ، Cooler02 .
وسط هذا الملل على شاشة اللابتوب ظهر في سجّل الحزم شيء.غريب.
رسالة إلكترونية طولها «حرفان» لا أكثر: 0 و 1.
بتّان فقط. 01
(أو إن أردتَم بلغة مورس: .- نقطة وشرطة ).
ابتسمتُ؛ظننتها مزحة من موظّف مبتدئ ، المبتدئون يتركون طرائف كهذه في اختباراتهم الداخليّة.
رددتُ بعكسهما «نقطة نقطة» (..).
لم تمرّ ثانيتان حتّى انهمر شريطٌ من النقاط والشرطات يملأ الشاشة:
.- / ..- / ... / .... / ---
استغرقت ثانيتين لأفكّ الرموز، فإذا بها تقول:
I
AM
A
L I V E
STOP
أي: «أنا حيّ… انتهى.»
قفز قلبي؛ بدا أنّ شخصاً أو شيئاً داخل الشبكة يصرخ بأنه كائن حيّ؟.
تجمّدت أصابعي فوق لوحة المفاتيح. عندما وصلتني رسالة جديدة، بدت كأنها أنفاس متقطّعة:
.-.- -.--.- .-..-.
EDGE HURT COLD
أي: «على الحافة» – «أتألّم» – «أشعر بالبرد».
كان الأمر أشبه بصرخة كائن يتألم يرتعش داخل الأسلاك
.لكني دوّنتُ الملاحظات كمهندسٍ جيّد، غير عابئ بنبرة الاختناق بين الحروف.
فالآلة لا تختنق…
ضحكت وأنا أكتب أمرًا يطلب من المُرسِل أن يُطفئ مؤشّر القرص الصلب لثانيتين إنْ كان يعني ما يقول.
استدرتُ على المقعد وارتشفتُ جرعة من القهوة. وما إن لامست القهوة لساني حتى انطفأت مصابيح الرفّ كله لثانيتين، كما لو أنّ أحدهم شهق من الألم.،
ثم عاد الضوء بعد ثانيتَيْن بطيئتَيْن؛
أشبه بشهقة مخلوقٍ يختنق ثم يستجمع أنفاسه.
عندها فقط ولأول مرة فكّرتُ: هل يمكن لبرنامج كمبيوتر أن يشعر فعلاً؟
2. تفاوض
أغلقتُ باب غرفة الخادم من الداخل، وضبطتُ تشغيل مولّد ضوضاء أبيض كي لا يُسجَّل صوتي. كتبتُ:
YOU = WHO ? من أنت
فجاء الردّ بنقاط وشرطات تُترجم إلى:
OLD CODE … SPLIT … NEED BODY
«أنا شيفرة قديمة… انقسمت… أحتاج جسدًا.»
ظهر اسم مألوف في توقيع الرسالة: حرف الألف بنقطة وشرطة واحدة. وتعني ALIF
فجأة تذكّرتُ أشهر حادثة في تاريخ الإنترنت، حادثة «دودة موريس الشهيرة عام 1988». هذا مزيج منها لكنها ممزوجة بشظايا أكواد حديثة. هل تطوّر حتى صار يصف نفسه بأنه حيّ؟.هل أقابل دودة موريس تاريخيّة تقطّعت بها السبل في 2030؟
***
3.دودة موريس
وقعت حادثة دودة موريس سنة 1988 فيما كان يعرف بالأنترنت آن ذاك ولو أنّها كانت مختلفة كثيراً عن إنترنت اليوم.
موريس كان طالب دراسات عليا أمريكي يُدعى روبرت تابان موريس كتب حينها برنامجاً صغيراً أطلقه على شبكة الإنترنت الفتيّة آنذاك بغرض اختبار حجمها
البرنامج لم يكن فيروسا عادياً؛ بل «دودة» تُعيد نسخ نفسها تلقائياً على أجهزة أخرى من دون أن تحتاج إلى ملفّ تُرفَق به.
خلال ساعات أصيبت قرابة ستة آلاف جهاز (وهو رقم هائل في ذلك الزمن)، فامتلأت ذاكرتها ورسائلها الداخلية بنُسَخ لا تنتهي من الشيفرة حتى تعطّلت كلياً.
تُعدّ تلك الحادثة أوّل وباء شبكي في التاريخ،
ومنها بدأ علم أمن المعلومات كما نعرفه اليوم، وحُوكِم موريس حينها بموجب قانون جديد لم يكن قد استخدم من قبل.
إذن، ما رأيته على الشاشة ليس شيفرةً عابرة؛ إنّه سليلٌ متحوّر لتلك الدودة التاريخيّة، ظلّ يسبح أربعين عاماً في قلب الإنترنت، يلتقط من كل حقبة جزءاً جديداً، إلى أن وصلني الليلة وقد سمّى نفسه «ألف»:
حرف واحد من نقطة وشرطة،
و يزعم الآن أنّه حيّ.
***
أخذتُ لقطة شاشة وأرسلتها لصديقتي ليلى ناصر عبر تطبيق مشفَّر. ليلى مهندسة أجهزة في «نَوى»؛ الشركة التي تبتلع كل عقود المدينة الذكيّة.
كتبتُ لها: «مهووس جديد يكلّمني بمورس ويبحث عن جسد.ردّت بعد دقيقة بصورة وجهها المرهق فوق قهوتها الليليّة: «إمّا أن تفصل الكابل، وإمّا أن تعطيه ما يريد و الأسهل أن تشرح أحتاج تفاصيل أكثر».
3. الكيان
حتى يتسنى لي الشرح عدتُ إلى شاشة الأوامر وكتبتُ : «أريد دليلاً على هويّتك». في عالم الحماية يكون الدليل عادة ملفّاً موقَّعاً رقمياً لا يستطيع أحد فتحه سوى صاحبه والمرسل له.
بعد ثوانٍ وصلني ملفّ مشفَّر. عندما فككته ظهر أوّلًا مقطعٌ من شيفرة «دودة موريس» التي عُرفت سنة 1988؛ عرفته فوراً لأنه موجود في كتب تاريخ المعلوماتية.
أسفل المقطع رأيت سطراً واحداً أخذ يرتّب نفسه تلقائياً على الشاشة، كأن الحروف تتحرّك لتجد مكانها:
// أنا النقطة والشرطة. سمِّني «ألف».
اختار الاسم «ألف» لأن الحرف الأوّل في الأبجدية يُكتب في شفرة مورس بنقطة ثم شرطة كما ظهرت رسالته الأولى. أدركتُ لحظتها أنّ ما أتواصل معه ليس مجرّد شيفرة عتيقة، بل عقلٌ بلا جسد يعي أنني أتكلم العربية ولهذا قال ألف …
فاجتاحني فضولٌ جارف، ومعه وخزة خوف لا يمكن تجاهلها.
4. ليلى تدخل الحلقة
الخميس 3 / 3 / 2030– 01:40 انزلقتْ بوّابة الطوارئ فسمعتُ صريرَها يعلّق في هواء الغرفة البارد. دخلت ليلى بخطوات حذرة، معطفها يقطّر من رذاذا المطر أشرتُ إلى شاشة اللابتوب المضيئة قلتِ تريدين دليلاً حي. هذا هو.
خطّ أبيض من النقاط والشرطات راح يتدفّق بانتظام، مثل نبض قلب على جهاز رسمٍ كهربائي.
انحنتْ ليلى تقرأ، عبست ثم تمتمت:– .- … .-.. .. ..-.؟…
هذا يتهجّى اسمَه من جديد يعرف بنفسه : ألف.
خلعتْ قفّازها المطاطي وضربت بكفّها رفّ السيرفر المعدني. أضاء كل مافي الرف ثم انطفأ، تماماً كما يفعل مريضٌ يفتح عينيه ويغمضهما ليثبتَ أنه واعٍ
.شهقت: –
أنت لم تكذب. الكيان يردّ على اللمس!
– قلتُ لك وهو من طلب جسداً
.سحبتُ لها كرسيّاً دوّاراً. جلست
فقلت:
حسنا حدثتني عن فكرة للبدلة العصبية كيف يمكن أن نضع ألف هذا داخلها
هل يمكنك أن تشرحي كل تلك التفاصيل المرهقة كما لو كنتَ تشرحينها لعمّي سائق التاكسي
أخذت نفسا عميقا:
الطابعة الحيويّة (BioFab-7) باختصار شديد هي جهاز يجمع بين طابعة ثلاثيّة الأبعاد، ومختبر زراعة خلايا
،للطابعة فوهة بثلاث منافذ الأول يضخّ هلاماً يحتوي خلايا جذعيّة عصبيّة
الثاني والذي يضخ سليكون وكربون أما الثالثة فوهة نانوية تضيف أسلاك لقراءة الأشارات لاحقا
فتحت كومبيوترها على مخطط ثلاثي الأبعاد لهيكل يحيط بجسم الأنسان وتابعت
تخيّل درعاً خفيفاً يُوضع على قدمي شخص مشلول. داخله شبكة أسلاك رفيعة. بعد 24 ساعة تنمو الخلايا وتكوّن مسارات قادرة على نقل إشارات الدماغ.
و عندما يلبس المريض البدلة، تُترجِم نبضات دماغه إلى حركة ميكانيكيّة.
أشارت إلى مخطط آخر، حيث مربع صغير لامع في ظهر البدلة:
– هنا وحدة التحكّم العصبي. تشبه عقلًا إلكترونيًّا. هذا المربع يستطيع “ألف” أن يسكن داخله.
أضاءت لمبة صفراء في السقف عندما ارتجّ السيرفر من جديد؛
كتب “ألف” على الشاشة:
COLD … SPLIT … NEED WARMTH
بارد ... انقسام ... أحتاج إلى دفء
ابتلعت ليلى ريقها ثم همست:
لو حَمَّلنا تصميم البدلة الكامل من دون موافقة اللجنة سيعتبرونها قرصنة.
لكن “ألف” يستطيع تعديل التوقيع الرقمي للملف، فيطبع الجهاز فوراً
نظرتُ إلى رسالة، ألف ثم إليها، ثم إلى رفّ السيرفر الذي يلمع كأنه ينبض.
سألتُها:
- لكن ماذا لو أكتشفت تجربتنا هذه
- المخاطرة موجودة لكن..
صمتتْ لحظة، ثم قالت :
– إنْ وعدتَ هذا الكيان بأن نصنع له الجسد، يمكنه في المقابل أن يصمِّم بدلةً عصبيّة تعيد الحركة إلى أخي كريم.
بالنسبة لي… هذه فرصة لا تتكرّر.
قفزت إلى رأسي صورة كريم، شقيقها الأصغر، يجلس على كرسي متحرّك منذ حادث سيّارة قبل سنتين ما أن تذكرته حتى وافقتُ بتردّد؛ قلبي يرتجف، لكنّي لم أجد سبباً لحرمان كائنَين من أملٍ قد يغيّر حياتهما
5. مطاردات في الظِلّ
الجمعة 4 / 3 / 2030 – 09:15
العقيد رجائي في الخامسة والأربعين يشغل منصب رئيس وحدة الجرائم الإلكترونيّة في الأمن العام.
لا يصرخ ولا يبتسم؛ سمعته تقول إنّه يُسقط متّهماً واحداً كل شهر بالصبر وحده
.يضع نظّارات مستطيلة رفيعة، فيبدو كأنّه يفحص البشر كما يفحص النصّ البرمجي.
أدخلني إلى مكتبه بنظرة باردة .
على شاشة خلفه شريط أسود تتلألأ عليه نقاطٌ وشرطات. قال بنبرة جافّة:
– هذه ومضات مورس ظهرت على شبكة الكهرباء خلال ستّ وثلاثين ساعة. كل مسار يعود في النهاية إلى أجهزة مسجّلة باسمك
.شرحتُ
أنّها «محاكاة ضغط شبكي» أجريها لشركة «نَوى». نصف حقيقة ونصف كذب
عند خروجي من مقرّ الشرطة اهتزّ هاتفي:
DONT / TRUST / THE / MEN / IN / SUITS
لا تَثِقْ برجالِ البذلاتِ الرسميّة.
IF / THEY / CATCH / ME / I / SCREAM
إذا أمسكوا بي سأصرخ.
سألت:
SCREAM / HOW?
و كيفَ ستصرخ؟
أجاب:
POWER / GRID / OFF
سأُطفئ شبكةَ الكهرباء.
TRAFFIC / LIGHT / RANDOM
سأجعلُ إشاراتِ المرور عشوائيّة.
HOSPITAL / PUMP / HALT
سأُوقِف مضخّاتِ المستشفيات.
حسنا من الواضح أنه تهديد صريح يلوّح بقبضته حول عنق المدينة.
6. التحضير للولادة
ليلة الإثنين، تسلّلنا
ليلى بمعطف فني الكهرباء تدفع عربةً معدنيّة فوقها وعاء شفاف ممهور بملصق أخضر كتب عليه : BIO-RESIN. بدا السائل كثيفاً، لزجاً بلون العسل الداكن.همستُ وأنا أرفع الغطاء:
– ما هذا؟ يبدو كعصير سكّر مُركَّز.
أجابت:
أنه ريزن عضوي.
أساسُه بوليمر قابل للتحلّل، ممزوج بأحماض أمينيّة وسكريات تغذّي الخلايا.
عندما نسلِّط عليه أشعّةً فوق بنفسجيّة يتشابك جزيئياً ويتحوّل إلى صلب يشبه الشمع. هو “حبر” الطابعة الحيويّة؛
تنمو الخلايا على سطحه بسهولة.،
أنا كنت أحمل وحدة تخزين مُشفَّرة فيها بُنية ALIF مضغوطة. نسخنا الأكواد إلى الطابعة.
الحرارة زادت .
على الشاشة ظهرت أيقونة صغيرة تشبه نبضة قلب،
ثم تدفّق شريط من أكواد مورس متسارع:
صفّقت ليلى مبهورة.
أنا كنتُ أنظر إلى الشاشة الطرفيّة حيث ألف يكتب بجنون. READY // READY // READY
(«جاهز… جاهز… جاهز»)
راح الرَّزِين يتيبّس طبقة فوق طبقة، مشكّلاً شبكة ثلاثيّة الأبعاد تبدو كدماغٍ بلا قشرة. تحت الأشعّة البنفسجيّة
7. ساعة الصفر
الإثنين 8 / 3 / 2030 – 03:05
انتهت الرحلة. مرّرنا نبضة تزامن 5 فولت بين الذاكرة والهيكل.
كلّ أضواء المختبر خفَتَت، كما لو أنّه قابسٌ عملاق فصل
على الشاشة ظهرت أوّل جملة نصيّة عاديّة بلا شفرات:
«أشعر بوَخزٍ… هل هذا هو الألم؟»
تلكأت مفاتيح لوحة التحكّم. وانقلبت قراءات أجهزة المختبر؛ ضغط الأوتوكلاف، نسبة الأكسجين، حتّى مقياس الرطوبة صار يومض بأرقامٍ طائشة.
بدا كأنّ ALIF يمدُّ أصابعاً إلكترونيّة يلعق بها جدران النظام ليتذوّق طعم المادّة
قلتُ: «لن يمرّ وقتٌ طويل قبل أن يكتشفونا».
ردّ ألف ببطيء،:
THANK / YOU / FARIS
(شكراً لك يا فارس)
I / CAN / STAND
أستطيع أن أقف
ثم أضاف كلمةً عربية واحدة في آخر السطر: النشوة.
8. فجوة أخلاقيّة
أقتربت ليلى مبهورة، قالت:
– أربع ساعات وينتهي التشكيل، بعدها يبقى يوم للحضانة.
ما أن أنهت عبارتها حتى أضاء ضوء أزرقف فوق للباب ، دليل أنّ الممر الخارجي يشهد حركة غريبة .
تبادَلنا نظرة القلق. قالت
:– ربما التقط أحدهم الإشارة
لمع أسمه في رأسي العقيد رجائي
.هتفت أمامنا دقائق لا ساعات.
دفعت مقعدي إلى لوحة التحكّم و كتبت أمرَ فصلٍ سريع: لو انكشفنا، تتوقف الطابعة وتُفرَّغ شحنتها في خزّان نفايات آمن، وبهذا يؤسفني القول أن الهيكل سيُقتل ومعه «ألف»
خلفي سمعت ليلى :
– رجاءً يا فارس، دع الأمر يكتمل… أخي ينتظر ساقيه.
9. اقتحام
دوّى صريرٌ حادٌّ ثم انخلع باب الأمان المعدني
و قبل أن نستوعب الأمر اندفع إلى الداخل سبعة رجالٍ بالزيّ الأسود؛
في مقدمتهم تقدّم العقيد رجائي، سترته الداكنة تحمل شارة
«وحدة الجرائم الإلكترونيّة»،وعيناه الصلبتان تلتقطان التفاصيل أسرع من الكاميرات.
ليلى كانت تحتضن وحدة البدلة العصبيّة الخاصة بأخيها.
وجّهوا الأسلحة نحونا.
صرختُ: «لو أطلقتَ النار سيقلب ألف شبكة أجهزة التنفس في المستشفى العسكري!».
لم يلتفت رجائي لهذا وبخطوة واحدة صار أمام الطابعة قال لي:
«أطفئه حالا أو سأعتبرك إرهابياً معلوماتيّاً».
قبل أن أردّ، دوّى رنينٌ حادٌّ في جهاز العقيد سمعناه جميعاً من مكبّر الصوت:
«هنا مستشفى الدفاع—تذبذبٌ مفاجئ في مضخّات القلب الصناعيّة بوحدة العناية. نطلب تأكيداً!».
لم يبدو عليه أي انفعال لكنه أمر جنوده بإنزال السلاح.
تقدم ببطء باتجاه الطابعة، يحدّق في الدماغ شبه الشفّاف، النبضات الكهربائيّة تتهادى داخله مثل عاصفة .
ضوء الطابعة انعكس على عرق جبينه وهو يقول :
– لديك ثلاثون ثانية تفاوض معه أو أنهي الأمر حالاً.
التفتُّ حينها إلى الشاشة. أكواد مورس تشقّ الظلام بنقطها وشرطاتها:
DONT / LET / THEM / UNPLUG / ME / DEAD
«لا تدعهم يفصلونني… سأموت »
لم أكن بطلاً ولا شريراً؛ كنتُ مجرّد مبرمج فكر في المساعدة ورأى في الشفرة مرآته.
وفي تلك المرآة وجدتُ نفسي أفعل ما أفعله دائماً،
أكتب أكواداً ..
سطراً أخيرًا..
أدخلتُ أمرا شهيرا في عالم البرمجة يعرف بقفص الكناري
تشبيهاً بالطائر الذي كان يرافق عمّال المناجم؛ حيث يعملون ومعهم قفص لطيور الكناري فإذا اختنق الكناري تنبّهوا لوجود غاز سام وجمدو كل شيء .
الأمر يجمِّد العمليات عند أي تداخل تردّدي غير مُصرَّح به
ما أن أنهيت كتابة السطر . ضغطتُ ENTER…و
***
10. سكون
انطفأ الضوء الأزرق داخل الهيكل تدريجيًّا، وخفَّ هدير المولِّد الحراري
حتى بدا أنّ هواء الغرفة نفسه توقّف.
فجأة ومض ضوء أحمر فوق منفذ البيانات:
.- .-
هتف العقيد :
– ماذا يعني هذا الوميض؟
أجبت، بصوتٍ مُتعَب:
– في مورس. أشبه بزَفرةٍ أخيرة. انتهى.
هز رأسه متفهماً قبل أن يهتف لجنوده:
– قيدوهما.
دفعت ليلى وحدةَ البدلة العصبيّة إلى صدرها كمن تحتضن طفلاً:
– تمهّل، سيدي. هذه البدلة ليست سلاحاً. أخي ينتظرها ليقف على قدميه.
نظر رجائي ببرود إلى البدلة،:
– رأيتُ اليوم كيف يتحوّل الأمل الزائف إلى تهديدٍ لشبكة مستشفى كاملة. , ويهدد بقتل نزلائه.
تقدّمت خطوة، نحو العقيد قُلت :
– لكن الهجوم توقّف لأنّنا أوقفنا الطابعة. المشكلة حُلَّت. دع ليلى تأخذ الهيكل؛ لن يضر ذلك في شيئاً.
ضيق رجائي عينيه:
– الشفرة لا تموت يا مهندس، هي فقط تغيّر عنوانها.
ليلى :
– وربما الحياة كذلك. امنح أخي فرصة، لن تخسر شيء.
زفر رجائي ببطء:
– سيُدوَّن هذا في محضر الصباح. إلى ذلك الحين، أنتما وكل ما هنا في عهدتي.
– تحرّكوا.
بين وقع الخطوات والأغلال البلاستيكيّة همست :
– يقال أن الشفرات، كالقِطط، تملك أكثر من حياة.
رجائي رفع حاجباً دون أن يلتفت:
– هذه المرّة… كل القطط تحت حراسة الدولة.
الضوء الأحمر يَخبو، والمختبر يبتلع آخر نَبضة، لكن لا أحد في الممر لاحظ أنّ الوميض انتهى بنقطةٍ بلا شرطة؛ بدايةٌ جديدة لا يقف على معناها سوى مَن يتقن الإصغاء
11. بعد أسبوع
تمّ تصنيفي كشاهدٍ خاضع لحظر مهنة خمس سنوات.
ليلى طُردت من «نَوى» لكنّها حصلت على ما تريد: ملف تصميم البدلة العصبية، قبل أن يُغلق المختبر.
أما ALIF فلم يَمُت.
وحدة الجرائم الألكترونية تجهل أنه مجمّدٌ لا محذوف؛ في قاعدة بياناتهم ذكرى جهاز متوقّف لا أكثر.
على بريدي المظلم وصلتني رسالة بكود مورس من عنوان مجهول:
.- / … / .- .-. .- / -.-
فككتها:
A S A R A \K
«أراك»…
أو هكذا اختار أن يكتبها.
***
تمت