1
العود
ليه ماتعزف على العود؟
سؤال عفوى خرج بصوت طفولي من عند باب الغرفة
التفت إلى مصدره إبن اختي ذو السبع سنوات قالها وهو يشير إلى آلة العود المركونة على الرف في زاوية الغرفة مقابلة الباب.كان على وجهه ابتسامة سعادة وظفر وكأنه وجد اكتشاف عظيم لم يكن يتوقعه.
سؤاله رغم برآئته إلا أن وقعه في نفسي كان ثقيلاً.
نظرت إلى عينيه البريئتين وأنا أتحاشى النظر إلى حيث آشار
إلى العود القابع فوق الرف بهدوء.واللذي شعرت وكأنه ابتسم في سخريه حين شعر بارتباكي من السؤال.هل تعتقدون أني أتوهم أو أنني مجنون؟.
لا إطلاقا فآلتي هذه تفهمني وأفهمها منذ أن أهداني إياها المرحوم والدي بعد تخرجي من المرحلة الثانوية
أما الآن فلا أجروء حتى على النظر إليها.أتحاشاها تماما كما تحشيت إنزالها من على الرف خلال سبع سنوات مضت نعم بعمر ابن اختي الصغير.
اقترب مني وأمسك طرف ثوبي وشدني نحو الرف هاتفا:- أمس ماما سمعتني صوتك وعزفك في اليوتيوب،
قالت أن أنت كنت تغني. صح؟
ثم رفع رأسه إلى ونظر في عيني باحثا عن جواب وهو يتابع بحماس
:أنا في البداية حسبتها تمزح بس بعدها لاحظت أنه صح هو إنت نفس صوتك وزي شكلك.
ترددت قليلا وأنا أنحني لأربت على كتفه وحاولت أن أقول شيء أي شيء لكني شعرت وكأن آلة العود على الرف تسمع أيضا وتنتظر الجواب الذي ظلت تسألني إياه كل يوم.. منذ سبع سنوات لماذا هذا الجفاء؟.لماذا تركتني مركون هنا على هذا الرف الممل ولم تكلف نفسك حتى عناء نفض الغبار عني.
لماذا هكذا ودون سابق إنذار توقفنا.أنا وأنت توقفنا عن خوض غمار الأحان منذ سنوات
لك أن تتخيل كيف لعود صنع ليعزف وليطرب أن يتوقف هكذا، تحول لقطعة ديكور مغبرة ليس إلا ويرمى به وكأنه محض خردة
شعرت وكأن تلك الكلمات تصدر فعلا من العود وتخترقني وتصيب موضعها بدقة لتنجح أول مرة في أن تجعلني أستدير وأنظر نحو الرف بحذر
لمحت العود هاديء مسستكن في مكانه وكأنه يرقب مني أن أعطيه جوابا لكنني لم أتمكن من قول أي كلمة.إن موقفي معقد جدا.لا يمكن شرحه سوى بكلمة واحد :
مكره أو مرغم أو لعلها مضطر.أي كلمة من القاموس غير أنني تركته هنا وأنا راضي عن ذلك،
أنا مضطر فلقد قطعت وعدا
(ولماذا أنت مضطر)
سمعت وكأن العود يعود ويسألني بإلحاح فأشحت بوجهي عنه
خالي نزل العود أشوفه
.شدني ابن أختي مرة أخرى وهو يشير نحو الرف وألح مكررافي طلبه فشعرت وكأن العود يبتسم منتصرا
بتردد مددت يدي نحو العود بحذر حتى أني شعرت وكأنها يداي تهتز ويصل اهتزازها إلى داخل عقلي لينفض كل القصة القديمة دفعة واحدة ويعيد ذكراها لتصبح حاضرة في ذهني من جديد
.***
(2)
الأوبريت
وحيداً على خشبة المسرح الواسع وبخطوات مترددة يشوبها بعض القلق لكن الحماس كان الغالب علي
الحلم على وشك أن يصبح حقيقة بل كنت أعيشه في تلك اللحظات حقاً
أن أشارك في أوبريت مسرحي غنائي بهذا الحجم وهذه القيمة وأنا في بداية مشواري الفني هي نقلة وقفزة حقيقية لم أتوقع أن تتحقق بهذه السرعة ما أن وصلت للمنتصف ووقفت حيث كانت علامة حمراء صغيرة على الأرض كانت هناك تحدد لي مكان وقوفي على المسرح..
وضعت قدمي فوقها وأخذت نفسا عميقا كما أفعل بالعادة لأساعد نفسي على التركيز.رفعت يدي وعدلت من وضع شماغي ملقيا طرفيه إلى خلف ظهري شبكت كفي قبل أن تسطع بقعة الضوء فوقي وخلال دقيقة بدت ثقيلة بعض الشيء تحرك الستار من المنتصف إلى قسمين وبسرعة فائقة إلى جانبي المسرح
سمعت دوي التصفيق الحاد رغم أن النور كان خافتاً في منطقة الجمهور فلم أراهم بوضوح والحقيقة قد ساهم هذا كثيرا في التخفيف من قلقي فأنا لا أرى حجم الجمهور كبيراً كان أم صغير وكأول مرة لي أشارك في أوبريت قوي كهذا بل وكنت أنا من يفتتحه بغناء مقطع البداية
لم يسبق لي فعل شيء كهذا مطلقا ولهذا عدم رؤيتي للجمهور تجعلني أغني بارتياح أكبر وخلال ثواني كانت الموسيقى الإفتتاحية تعزف
و..انطلقت بالغناء —
***
(3)
العودة إلى الألحان
كنت تلك الذكرى البعيدة بدايتي الفعلية لكني الآن عدت إلى الواقع، وعدت إلى ابن أختي الذي كان يراقبني بعينيه الواسعتين بترقب .ينتظر أن يسمع صوت العود
تنهدت وجلست جلسة الإستعداد التي كنت أجلسها في الأيام الخوالي حين أعزف قبل أن أقطع على نفسي وعد بالتوقف
وعداً ما كانت تلك المشكلة ستحل من دونه
وعداً ألزمني بترك حياتي الفنية إلى غير رجعة
لكن الآن فمرة واحدة لن تضر ثم أنني أعزف هنا بين جدران غرفتي الأربعة وجمهوري الوحيد طفل لحوح بعمر السابعة
حركت أوتار العود بشكل عشوائي وحثني ابني اختي بحماس قبل أن تدفق الألحان من بين أناملي،
كل وتر كان يحمل قصة.
***
يتبع في الاسبوع القادم